الأربعاء، 17 أغسطس 2011

الصدقة وفضائلها



للصدقة فضائل كثيرة ( وخاصة في شهر الخير شهر رمضان المبارك الذي فيه الأجر يكون مضاعف ) ، والصدقة غير الزكاة لآن الزكاة قمية مفروضة يجب أخراجها أن توفرت فيها الشروط أما الصدقة فهي نافلة يمكنك أن تخرجها متى ما شئت وبالتكرار الذي تريده .

أن الصدقة يمكنها أن تحل جميع مشاكل حياتك وتشفي جميع الأمراض ويستجاب بها دعائك ويفرج الله بها كروبك ويبشرك بها برضاه والجنة ويبدل لك خيرا مما تصدقت في الدنيا والأخرة .

لكن ضع في بالك حين تتصدق :

- بأنك لا تبحث إلا عن رضى الله وأنه لوجهه الكريم لا تريد جزاء ولا شكورا .
- تصدق على من سألك ولا تشكك في أنه ليس محتاج أو غيره ما لم تكن عندك بينة تؤكد ذلك ، فإنما يعطيك الله حسب نيتك حتى لو كان ذلك الشخص غير صادق .

الصدقة ليست الزكاة فالزكاة فريضة في المال تؤدى كل حول إذا اكتملت شروطها ، أما الصدقة فهي نافلة تؤديها كلما استطعت ، حتى لو استطعت أن تتصدق كل يوم ثلاث مرات أو أكثر فافعل فلا بأس من ذلك .

فضل الصدقة :

المتأمل للنصوص التي جاءت آمرة بالصدقة مرغبة فيها يدرك ما للصدقة من الفضل الذي قد لا يصل إلى مثله غيرها من الأعمال ، حتى قال عمر رضي الله عنه: ( ذكر لي أن الأعمال تباهي ، فتقول الصدقة : أنا أفضلكم ) . و يقول أبو العباس السبتي : ( تَصَدّق يكُنْ لكَ ما تُريد ) .

فضلها في الدنيا :

· أن في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله صل الله عليه وسلم : ( داووا مرضاكم بالصدقة ) . يقول ابن شقيق : ( سمعت ابن المبارك وسأله رجل : عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين ، وقد عالجها بأنواع العلاج ، وسأل الأطباء فلم ينتفع به ، فقال : اذهب فاحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء ، فإني أرجو أن ينبع هناك عين و يمسك عنك الدم ، ففعل الرجل فبرأ ) .

· أن فيها انشراح الصدر ، و راحة القلب وطمأنينته ، فإن النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أو فرت على جلده حتى يخفى أثره ، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع[1] . فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، و انفسح بها صدره ، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه ، فكلمَّا تصدَّق اتسع و انفسح و انشرح، وقوي فرحه ، وعظم سروره ، و لو لم يكن في الصَّدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبدُ حقيقياً بالاستكثار منها والمبادرة إليها وقد قال تعالى: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}[2].

· تدفع ميتة السوء . و أن الله يدفع بالصدقة أنواعاً من البلاء كما في وصية يحيى ـ عليه السلام ـ لبني إسرائيل : ( وآمركم بالصدقة ، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه ، و قدموه ليضربوا عنقه فقال : أنا أفتدي منكم بالقليل و الكثير ، ففدى نفسه منهم ) . فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء و لو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء ، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم و أهل الأرض مقرون به لأنهم قد جربوه .

· إن فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله صل الله عليه وسلم لمن شكى إليه قسوة قلبه: ( إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم ) .

· يسخر الله لك من يكون عونا لك في شدتك ويفرج عنك كما فرجت عن غيرك بالصدقة .

· البركة . ( من أنفق نفقة بورك له فيها ) إن صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي عن ذلك بقوله صل الله عليه وسلم : ( ما نقصت صدقة من مال ) .

· انتظار الربح العاجل في الدنيا والآخرة . إن هذه الصدقة . يتقبلها الله بيمينه ثم يربيها لك حتى تكون مثل الجبل من الحسنات. يقول جل وعلا : { يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ }[3] .

· تدعو لك الملائكة صبح مساء . وهم من أخبرنا الله بأن دعاءهم مستجاب إن المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك و في ذلك يقول صل الله عليه وسلم : ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ، و يقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً ) . الملائكة تدعو على المال الذي أعطاك الله إياه بالتلف إن لم تتصدق منه .

· بالصدقة تعصي الشيطان الرجيم . و تخالف كل ما يأمرك به من البخل وما يعدك به من الفقر { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ }[4] .

· إنها تجارة مع الله . وربنا سبحانه من يملك خزائن السموات والأرض. و يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء يقول سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ }[5] فالله جل وعلا أكد أنه سيوفيكم أجوركم ويعيد لكم كل ما دفعتموه في هذه التجارة وأكد بالقول القاطع قال : { تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } فلماذا التأخر ؟ و لماذا التردد ؟ و مما الخوف ؟.

· أنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به ذلك لأن مال الصدقة محفوظ عند الله ولا يضيع أبدا , كما في قوله تعالى: { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ }[6]. و لما سأل النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها : قالت : ما بقى منها إلا كتفها . قال: ( بقي كلها غير كتفها )[7] .

· إن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: { إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ }[8]. وقوله سبحانه: { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }[9].

· إنَّ المنفق إذا كان من العلماء فهو بأفضل المنازل عند الله كما في قوله صل الله عليه وسلم : ( إنَّما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ، و يعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل.. ) .

· إنّ النبَّي صل الله عليه وسلم جعل الغنى مع الإنفاق بمنزلة القرآن مع القيام به ، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا حسد إلا في اثنين : رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل والنهار ) ، فكيف إذا وفق الله عبده إلى الجمع بين ذلك كله ؟ نسأل الله الكريم من فضله.

· إنَّ الصدقة دليلٌ على صدق العبد و إيمانه كما في قوله عليه السلام : ( والصدقة برهان )[10] .

· إنَّ الصدقة مطهرة للمال ، تخلصه من الدَّخن الذي يصيبه من جراء اللغو، والحلف ، والكذب ، و الغفلة ، فقد كان النَّبي صل الله عليه وسلم يوصي التَّجار بقوله: ( يا معشر التجار ، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة )[11] .

فضلها في الآخرة :

· الأجر في الآخرة و رفعة الدرجة .

· إن صاحبها يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: ( من أنفق زوجين في سبيل الله ، نودي في الجنة يا عبد الله ، هذا خير : فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان ) قال أبو بكر: يا رسول الله ، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: قال: ( نعم وأرجو أن تكون منهم )[12] .

· أنها متى ما اجتمعت مع الصيام وإتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلا أوجب ذلك لصاحبه الجنة كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: { من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ } قال أبو بكر: أنا. قال: ( فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ ) قال أبو بكر: أنا. قال: ( فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ ) قال أبو بكر: أنا . فقال رسول الله : ( ما اجتمعت في امرىء إلا دخل الجنة )[13].

· إنها وقاية من النار . قال صل الله عليه وسلم : : ( ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله ، ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النار و لو بشق تمرة ) .

· استحقاق رحمة الله { إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }[14] والإحسان فيه جامعة لجميع الخيرات ، وكم من آية قال الله فيها : { وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

· أن المتصدق في ظل صدقته في الآخرة كما في حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: ( كل امرئ في ظل صدقته ، حتى يُقضى بين الناس ) . قال يزيد : ( فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة ) . قد ذكر النبي صل الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ( رجل تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) .

· إنها تطفىء غضب الله سبحانه وتعالى . كما في قوله صل الله عليه وسلم : ( إن صدقة السر تطفىء غضب الرب تبارك وتعالى ) .

· إنها تمحو الخطيئة ، وتذهب نارها كما في قوله صل الله عليه وسلم : ( والصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء الماء النار ) .

· تدافع عن صاحبها في القبر و تحميه من ملائكة العذاب . تبرد عليه في قبره و قبر من تصدق عنه من الأموات : ( إن الصدقة ستطفئ على أهلها حر القبور ) . يقول ابن عثيمين : ( فليتصدق أهل الميت فإن الله إن تقبلها كشف عنه العذاب ) .

أفضل الصدقة[15] :

· الصدقة الخفية ؛ لأنَّها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة ، وفي ذلك يقول جل وعلا : { إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ }[16] ، فأخبر أنَّ إعطاءها للفقير في خفية خيرٌ للمنفق من إظهارها وإعلانها، وتأمَّل تقييده تعالى الإخفاء بإتيان الفقراء خاصة ولم يقل: وإن تخفوها فهو خيرٌ لكم ، فإنَّ من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيشٍ ، وبناء قنطرة ، وإجراء نهر ، أو غير ذلك ، وأمَّا إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد ، الستر عليه ، وعدم تخجيله بين النَّاس وإقامته مقام الفضيحة ، وأن يرى الناس أن يده هي اليد السفلى ، وأنَّه لا شيء له ، فيزهدون في معاملته و معاوضته ، وهذا قدرٌ زائدٌ من الإحسان إليه بمجرد الصدقة مع تضمنه الإخلاص ، وعدم المراءاة ، وطلبهم المحمدة من الناس. وكان إخفاؤها للفقير خيراً من إظهارها بين الناس ، ومن هذا مدح النبي صدقة السَّر ، وأثنى على فاعلها ، وأخبر أنَّه أحد السبعة الذين هم في ظلِّ عرش الرحمن في الآخرة ، ولهذا جعله سبحانه خيراً للمنفق وأخبر أنَّه يكفر عنه بذلك الإنفاق من سيئاته .

· الصدقةُ في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار كما في قوله صل الله عليه وسلم : ( أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحُ ، تأمل الغنى و تخشى الفقر، و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا ، ألا و قد كان لفلان كذا )[17] .

وإني أرى أن الفضل للصدقة في حالة الصحة والحياة لأنك حين تبذل الصدقة تبذلها وأنت تغالب نفسك والشيطان اللذان يعدانك بالفقر أن تصدقت ويحرضانك على البخل ، والله أعلم .

· الصدقة التي تكون بعد أداء الواجب كما في قوله عز وجل: { و َيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ }[18] أي : ( أنفقوا القَدْر الذي يزيد على حاجتكم ) . وقوله صل الله عليه وسلم : ( لا صدقة إلا عن ظهر غنى ) ، و في رواية : ( وخير الصدقة ظهر غنى )[19] .

· بذل الإنسان ما يستطيعه ويطيقه مع القلة والحاجة ؛ لقوله صل الله عليه وسلم: ( أفضل الصدقة جهد المُقل ، وابدأ بمن تعول )[20] ، وقال صل الله عليه وسلم: ( سبق درهم مائة ألف درهم ) ، قالوا: و كيف ؟! . قال: ( كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما ، وانطلق رجل إلى عرض ماله ، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها )[21] ، قال البغوي رحمه الله : ( و الإختيار للرجل أن يتصدق بالفضل[22] من ماله ، و يستبقي لنفسه قوتاً لما يخاف عليه من فتنة الفقر، و ربما يلحقه الندم على ما فعل ، فيبطل به أجره ، و يبقى كلاً[23] على الناس ، ولم ينكر النبي على أبي بكر خروجه من ماله أجمع ، لَّما علم من قوة يقينه وصحة توكله ، فلم يخف عليه الفتنة ، كما خافها على غيره، أما من تصدق و أهله محتاجون إليه أو عليه دين فليس له ذلك ، وأداء الدين و الإنفاق على الأهل أولى ، إلا أن يكون معروفاً بالصبر ، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر ، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين ، فأثنى الله عليهم بقوله { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }[24] وهي الحاجة والفقر .

· الإنفاق على الأولاد كما في قوله صل الله عليه وسلم : ( الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة )[25] ، وقوله صل الله عليه وسلم : ( أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكيناً ، ودينار أعطيته في رقبةٍ ، ودينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته على أهلك ، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك ) .

· الصدقة على القريب ، كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، و كانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ. قال أنس: ( فلما أنزلت هذه الآية { لَن تَنَالُواْ البِر حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ }[26] . قام أبو طلحة إلى رسول الله فقال : ( يا رسول الله إنَّ الله يقول في كتابه { لَن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وإن أحب أموالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث شئت ) ، فقال رسول الله : ( بخ بخ مال رابح ، وقد سمعت ما قلت فيها ، إني أرى أن تجعلها في الأقربين ). فقال أبو طلحة: ( أفعل يا رسول الله ) ، فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه[27] .

وقال : ( الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة)[28] ، وأخصُّ الأقارب - بعد من تلزمه نفقتهم - اثنان:

الأول : اليتيم ؛ لقوله جلَّ وعلا: { فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ (11) وَمَا أدرَاكَ مَا العَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَو إِطعَامٌ فِى يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ (15) أَو مِسكِيناً ذَا مَتْرَبةَ }[29] . و المسغبة : الجوع والشِّدة.

الثاني : القريب الذي يضمر العداوة ويخفيها ؛ فقد قال : ( أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح )[30] .

· الصَّدقة على الجار؛ فقد أوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله: { وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ }[31] وأوصى النبي صل الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه بقوله: ( وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها ، واغرف لجيرانك منها)[32].

· الصدقة على الصاحب والصديق في سبيل الله؛ لقوله : ( أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله ، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله ، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل )[33] .

· الصدقة الجارية . وهي ما يبقى بعد موت العبد ، ويستمر أجره عليه ؛ لقوله صل الله عليه وسلم : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )[34] .

وإليك بعضاً من مجالات الصدقة الجارية التي جاء النص بها:

1 - سقي الماء وحفر الآبار ؛ لقولة : ( أفضل الصدقة سقي الماء )[35] .

2 - إطعام الطعام؛ فإن النبي لما سُئل: أي الإسلام خير ؟ قال: ( تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) .

3 - بناء المساجد ؛ لقوله صل الله عليه وسلم : ( من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله ، بنى الله له بيتاً في الجنة )[36] ، وعن جابر أن رسول الله قال: ( من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة ، ومن بنى مسجداً كمفحص قطاة[37] أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة ) .

4 - الإنفاق على نشر العلم ، وتوزيع المصاحف ، وبناء البيوت لابن السبيل ، ومن كان في حكمه كاليتيم والأرملة ونحوهما ، فعن أبي هريرة قال: قال : ( إن مما يلحق المؤمن من عمله و حسناته بعد موته علم علمه و نشره ، أو ولد صالح تركه ، أو مصحف ورثه ، أو مسجد بناه ، أو بيت لابن السبيل بناه ، أو نهر أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته )[38] .

أفضل أوقات الصدقة :

إن الإنفاق في بعض الأوقات أفضل منه في غيرها كالإنفاق :

- في رمضان ، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: ( كان رسول الله أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة )[39] سئل صل الله عليه وسلم : ( أي الصدقة أفضل ؟ قال : صدقة في رمضان ) .

- الصدقة في أيام العشر من ذي الحجة ، فإن النبي قال: ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ) يعني أيام العشر . قالوا: يا رسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ( و لا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك شيء )[40] ، وقد علمت أن الصدقة من أفضل الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله.

- ومن الأوقات الفاضلة يوم أن يكون الناس في شدة وحاجة ماسة وفقر بيّن . كما في قوله سبحانه: { فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ }[41] .

ورغم أن هذه الأيام هي أفضل الأيام للصدقة إلا أن الصدقة في غيرها لها أيضا فضل ، ولكن الله فضل بعض الأيام على بعض وهكذا . فمن نعمة الله عز وجل على العبد أن يكون ذا مال وجدة ، ومن تمام نعمته عليه فيه أن يكون عوناً له على طاعة الله ( فنعم المال الصالح للمرء الصالح )[42] . و من صفات المؤمنين يقول تعالى : { و َفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }[43] . قال الإمام جابر بن زيد : ( لأن أتصدق بدرهم على يتيم أو مسكين أحبُّ إليّ من حجّة بعد الإسلام ) . الصدقة في الحرم المكي مضاعفة فتصدق ما استطعت عندما تكون هناك .

خير الصدقة :

· و خير الصدقة أن تخرجها مما تحب . قال تعالى : { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }[44] . نهى النبي صل الله عليه وسلم أن يعمد الرجل إلى شر ماله فيتزكى به منه وقال خيركم عند الله من يخرج من ماله حسنة .

· خير الصدقات ما لم يلحقه أذى و مَنّ يقول تعالى سبحانه : { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{261} الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{262} قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ{263} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{264} }[45]

· خير المال ما أخذ حلال وصرف نوال ، فالصدقة تكون من المال الحلال الطيب أزكى .

· أن الله يعطيك أجر الصدقة حسب نيتك ، لذا أن أتاك شخص ـ مثلا ـ يسألك صدقة ، وأنت لا تعرف هذا الشخص ولا تعرف صدقه ومن كذبه ، وأن كان محتاجا فعلا أم لا ، فأعطه الصدقة لوجه الله ، وثق تماما أنه حتى وأن كان كاذبا فأن الله لن يحرمك أجر عملك ونيتك الطيبة أبدا .

لماذا تتأخر عن الصدقة :

أنت لا تضمن أن يتصدق عنك أحد ، فالحياة تشغل الإنسان وتصرفه عن أشياء كثيرة ، وقد يتمهل من تورثه مالك في التصدق لأجلك بينما أنت تحتاجها اليوم قبل الغد بينما هو يتمهل فيها ، لذا أدرك نفسك مادمت بقوتك وصحتك و لا تتكل على أحد . وتجد من الأبناء من إذا تصدق عن أهله الموتى أو فعل معروفا لهم تجده وكأنما يمن عليهم .

لا تستمع للشيطان الذي يخوفك بالفقر ، ويأمرك بالبخل ، والله يدعوك لتجارة لا تبور . لا تجمع المال للورثة فقد لا يذكرونك بفعل المعروف ، لذا كن متوازن أحفظ لورثتك المال الذي يغنيهم عن الناس بعدك ولكن لا تنسى البر في نفسك ، فكما تحب أن تعمر بمالك القصور و الحدائق والظل الظليل والماء البارد والنعيم في الدنيا أفعل ذلك أيضا في الآخرة ، فلما تبني في الدنيا القصور وتنسى الآخرة:

يا من بنى القصر في الدنيا و شيدهُ ** أسست قصرك حيث السيل و الغرقُ[46]

إنها أسهل عبادة وأعظم العبادات أجرا { يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ }[47] . و بإذن الله عز وجل نلتقي في الجنة و إياك فنذكر هذا فيها .

قصة :

جاء رجل يسأل صفوان بن سليم : لقد رأيت في المنام أن الله يبشرك بالجنة . يقول : قلت : لم ؟؟؟

قال : لقد كسوت مسكينا ثوبا .

قال: ما قصة هذا الكساء ؟؟؟

قال : كنت في ليلة باردة ذاهب للصلاة رأيت المسكين يرتجف من البرد فخلعت قميصي وألبسته إياه .

قصة أخرى :

رجل عنده ناقة عظيمة الثمن وكان له جار( أبو بنات و محتاج ) فأعطاه الناقة وكان الرجل يبحث عن المياه في السراديب وضاع ، انتظره أهله سبع ليال فلم يعد . فتوقعوا أنه هلك

فوزعوا ماله وتذكروا الناقة التي وهبها أبوهم للجار واسترجعوها منه . فقال الجار ( أبو البنات ): لقد أعطاني إياها أبوكم ، دلوني على السرداب الذي وقع فيه . وبحث عنه حتى وجده وقد شارف على الهلاك .

فسأله متعجبا : كيف عشت هذه المدة من غير طعام ولا شراب!

فقال : منذ ضيعت الطريق كان كل يوم يأتيني إناء فيه لبن بارد . ومنذ ليلتين انقطع اللبن عني . فأخبره الجار أنه منذ ليلتين فقط أخذ أبناؤه الناقة التي كانت تسقي بناته لبنا وتسقيه هو أيضا . فانسحبت البركة حينما سحبت من الجار .

فما قولك في الصدقة بعد هذا . يقول عز وجل :

{ فَبَشِّرْ عِبَادِ {17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{18}[48] . وأن كنت لا تملك ما تتصدق له فأعن عليها يكون لك نصيب من الأجر مثل الذي تصدق . كأن تحض على الصدقة وتنصح بها . كذلك أن تعمل على جمع الصدقة من الناس وأيصالها لمن يحتاج لها . كذلك أن تدل الناس على من يحتاجون للصدقة ( الدال على الخير كفاعله ) وكذلك المُعِين عليه له أجر كأجر فاعله ولا ينقص من أجر فاعله شيء .



[1] - الصحيحين

[2] - الحشر:9

[3] - البقرة276 .

[4] - البقرة268

[5] - فاطر29

[6] - البقرة:272

[7] - صحيح مسلم

[8] - الحديد 18

[9] - البقرة:245

[10] - رواه مسلم

[11] - رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، صحيح الجامع .

[12] - الصحيحين

[13] - رواه مسلم

[14] - الأعراف56.

[15] - نقلته بتصرف عن ( الصدقة فضائلها وأنواعها ) لعلي بن محمد الدهامي .

[16] - البقرة:271

[17] - الصحيحين .

[18] - البقرة:219

[19] - كلا الروايتين في البخاري

[20] - رواه أبو داود

[21] - رواه النسائي، صحيح الجامع

[22] - الفضل أي الزيادة .

[23] - كلا على الناس : أي عالة عليهم .

[24] - الحشر:9

[25] - الصحيحين

[26] - آل عمران:92

[27] - في الصحيحين

[28] - رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة

[29] - البلد:11-16

[30] - رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح الجامع

[31] - النساء:36

[32] - رواه مسلم

[33] - رواه مسلم

[34] - رواه مسلم

[35] - رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة:صحيح الجامع

[36] - في الصحيحين

[37] - القطاة هي طائر ، و مفحص القطاة هو مجثمها أي المكان الذي تجلس فيه وهي تفحصه .

[38] - رواه ابن ماجة:صحيح الترغيب

[39] - في الصحيحين

[40] - رواه البخاري

[41] - البلد:11-14

[42] - رواه البخاري

[43] - الذاريات19

[44] - آل عمران92

[45] - البقرة .

[46] - البيت لأبي العتاهية .

[47] - البقرة 276

[48] - الزمر5